❞ كتاب عقبة بن نافع الفهري ❝  ⏤ محمود شيت خطاب

❞ كتاب عقبة بن نافع الفهري ❝ ⏤ محمود شيت خطاب

عقبة بن نافع الفهري القرشي (قبيل 8 هـ أو 10 هـ - 63 هـ) هو تابعي وقائد عسكري من أبرز قادة الفتح الإسلامي للمغرب في عهد الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية، ووالي إفريقية مرتين (47–55هـ) و(62-63هـ) في عهدي معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية. يُلقَّب بفاتح إفريقية.

ولد عقبة في بني فهر بن مالك من قبيلة قريش في مكة على عهد النبي محمد، لكن لم ير النبي ولم يسمع منه. فهو معدود من التابعين. شارك عقبة في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بها، ثم في فتح برقة، وزويلة والواحات، ثم ولاه عمرو بن العاص على برقة والمناطق التي افتتحها. وفي ولاية عبد الله بن سعد بن أبي السرح شارك عقبة في فتح سبيطلة. وبعدها عاد عقبة إلى مصر سنة 28 هـ وظل بمصر مدة ثلاث عشرة سنة حتى 41 هـ، وفي سنة 47 هـ ولاه معاوية بن حديج والي مصر على ولاية حرب إفريقية، وفي سنة 50 هـ فصل معاوية بن أبي سفيان ولاية إفريقية عن ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع؛ فافتتح سرت وجرمة وقصطيلية ومجانة. وأمر ببناء القيروان لتكون معسكرًا لرباط المسلمين، واستمر بناؤها من سنة 51 هـ إلى سنة 55 هـ، وبنى بها المسجد الأعظم المعروف اليوم بجامع عقبة بن نافع.

عُزلّ عقبة عن إفريقية سنة 55 هـ، ووُلّيَ أبو المهاجر دينار عليها، فأساء إلى عقبة واعتقله وسجنه وألبسه الحديد حتى أتاه كتابٌ من معاوية بتخلية سبيله وإرساله إليه، فسار عقبة إلى دمشق، وظل بها حتى وفاة معاوية. ثم ولاه يزيد بن معاوية مرة أخرى على إفريقية سنة 62 هـ، فدخلها وافتتح الجريد وتاهرت، وقاتل أوربة فهرب زعيمهم كسيلة. وصالح يُليان حاكم طنجة وسبتة، ثم افتتح السوس الأدنى والسوس الأقصى حتى وصل إلى المحيط. وفي طريق العودة صرف عقبة جل عساكره إلى القيروان، وبقي معه حوالي 300 رجل فقط، فاستغل كسيلة ذلك، وحشد جيشًا قوامه خمسون ألف مقاتلٍ تقريبًا، والتقى مع عقبة وأصحابه، فقتل عقبة وأبو المهاجر وأغلب الجيش، ووقع في الأسر قلة منهم.

اشترك عقبة -في عهد عمر بن الخطاب- في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، واختط بها. ولما فتح المسلمون مصر بعث عمْرو بن العاص إلى القرى حولها الخيل تطؤهم، فبعث عقبة بن نافع بن عبد قيس على رأس الجند، فدخلت خيولهم أرض النّوبة غزاة، فلقي المسلمون من النوبة قتالًا شديدًا، ففي أول يوم رشقوهم بالنّبل، وجرح منهم عامتهم، وانصرفوا بجراحات كثيرة، فلم تفتّح النوبة، ورجع عقبة بالجند. وظلت النوبة لم تفتّح حتى ولّي مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرْح، فسأله أهل النوبة الصلح والموادعة، فأجابهم إلى ذلك واصطلحوا على غير جزية، على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون طعامًا مثل ذلك.

فتح برقة وطرابلس وفزان

بعث عمرو بن العاص نفرًا من جنده بقيادة عقبة بن نافع ليستطلعوا أحوال برقة ويوافوه بأخبارها قبل أن يتقدّم إليها، فسار عقبة إلى زويلة وأطراف برقة وما جاورها من البلاد، فتبيّن له أنّ قبائل البربر التي تقطن تلك النواحي كانت في سكونٍ شاملٍ وهدوءٍ كامل. أرسل عقبة المعلومات التي حصل عليها إلى عمرو بن العاص، الذي قرر مواصلة السير لفتح كامل بلاد إنطابلس التي تعرف اليوم ببرقة. ولم يكن الطريق إلى برقة آنذاك صحراويًّا، بل كانت عليه سلسلةٌ من المدائن والمنازل متصلة، وأكثره أرض خصبة ذات زرع. كانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين، فلم يصادفوا مقاومةً تذكر، وانضمّت إليهم أثناء السير بضعة قبائل بربريّة معلنةً ولائها للإسلام والمسلمين. ولمّا بلغت خيل ابن العاص برقة، ضربوا الحصار عليها، وعرض عليهم عمرو بن العاص الثلاث خصال التي عرضها على المقوقس وأهل مصر ومن قبلهم الشّام، وهي: الإسلام أو الجزية أو القتال. ووجد أهل برقة أنه لا طاقة لهم بقتال المسلمين فقبلوا المصالحة على أن يؤدوا جزية للمسلمين قوامها 13 ألف دينار، وأن يبيعوا من أحبّوا من أبنائهم في جزيتهم، وقيل كذلك دينار عن كل شخصٍ بالغ.

استمر عمرو بن العاص مسيره بالجند حتى أطرابلس فحاصرها شهرًا. وعلم المسلمون آنذاك أنّ الجهة البحريّة خالية من الدفاعات وغير محصنة، وأنهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك، فرأوا استغلال حركة الجزر، وانتظار انحسار الماء عن المدينة من جهة البحر، فدخلت جماعة منهم بين أسوار المدينة والبحر وقاتلت الحامية المولجة بالدفاع عن هذه الجهة، وصاح أفرادها «الله أكبر»، فترددت أصداء التكبير في أزقّة المدينة وطرقاتها، فذعر المدافعون عنها، ودبّت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولمّا رأى الحرّاس فرار الحامية البيزنطيّة، تركوا مراكزهم، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة.


وفي اليوم التالي، فاجأ ابن العاص أهل سبرت بخيله، وكانوا مستأمنين على منعة طرابلس التي كانت تحول بينهم وبين المسلمين، فهاجمها صباحًا على حين غرّة. وذعر السكّان، وقد ظنّوا أنّ المسلمين لا يزالون يحاصرون طرابلس، فاضطرّوا إلى فتح أبواب المدينة عند أوّل هجمة إسلاميّة. واحتوى المسلمون على ما فيها لأنّها فتحت عنوة. ولما تمكّن ابن العاص من فتح سبرت، كاتب عمرَ بنَ الخطاب يعلمه بالنصر، وأن التالي بلاد إفريقية، ويستأذنه في افتتاحها، فأبى عمر قائلاً: «لا إنّها ليْست بإفريقية، ولكنّها المفرّقة غادرةٌ مغْدورٌ بها، لا يغزوها أحدٌ ما بقيْت»، ويروي البلاذري ما مفاده أنّ الخليفة لمّا سمع بأخبار إفريقية وأوضاعها السياسيّة وتاريخها عرف أنها ليست مأمونة الجانب ولا ميسورة الفتح ولا قريبة الطاعة، فعجّل بإيقاف عمرو.

خلال الفترة ما بين تمام فتح برقة، وحصار المسلمين لطرابلس وفتحها، كان عمرو بن العاص قد وجّه عقبة بن نافع نحو الطريق الداخليّ بين برقة وزويلة لافتتاح الواحات حتّى لا تتحوّل إلى أماكن تجمّع للمقاومة البربريّة فتقطع طريق العودة على المسلمين، فافتتح أجدابية في طريقه صلحًا على أن تؤدّي 5 آلاف دينار جزية للمسلمين، ثم واصل عقبة حتى بلغ زويلة، فصالحه أهلها، وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. وبعد أن تمّ فتح إقليمَي طرابلس وفزّان؛ شارك عقبة في الحملات التي تلت ذلك لإتمام إخضاع بقيّة قبائل الصحراء وإدخالها في الإسلام أو العهد.

ولاية برقة

ولى عمرو بن العاص عقبة على برقة والمناطق التي افتتحها، وعاد عمرو إلى الفسطاط. وكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب يخبره أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري، وأنه بلغ زويلة وأن ما بين زويلة وبرقة سلْمٌ كلهم، قد أطاع مسلمهم بالصدقة، ومعاهدهم بالجزية، وأنه بلغ طرابلس ففتحها، فكتب إلى عمر يطلب منه الإذن بفتح إفريقية فقال: «إن بينها وبين إفريقية تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن للمسلمين في دخولها فعل، فإن المسلمين قد اجْتَرءُوا عليهم وعلى بلادهم وعرفوا قتالهم، وليس عدوًّا كلُّ شوكة منهم، وإِفريقية عين مال المغرب، فيوسع الله بما فيها على المسلمين». لكن عمر رفض ذلك وكتب إليه: «ولو فتحت إِفريقية ما قامت بوال مقتصدٍ لا جند معه، ثم لا آمن أن يقتلوه، فإن شحنتها بالرجال كلفت حمل مال مصر أو عامته إليها، لا أدخلها جندًا للمسلمين أبدًا، وسيرى الوالي بعدي رأيه». توفي عمر بن الخطاب، وتولى عثمان بن عفان الخلافة في ذي الحجة 23 هـ، وفي سنة 24 هـ عيّن عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح على خراج مصر، مع بقاء عمرو على الجيش والإدارة في مصر، فاختلف عمرو وعبد الله، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: «إن عمرا كسر الخراج»، وكتب عمرو: «إن عبد الله كسر على حيلة الحرب»، فكتب عثمان إلى عمرو أن ينصرف، وجعل عبد الله بن سعد واليًا لمصر.

لم تتحدث المراجع عن شيءٍ ثابتٍ مما حصل خلال السنوات الأربع التي انقضت بين انصراف عمرو وإقبال عبد الله بن سعد، لكن يرجّح أنّ طرابلس وما يليها من البلاد ارتدّت عن طاعة المسلمين بعيد انصرافهم عنها، وتعتقد بعض المصادر أنّ عقبة بن نافع لبث في برقة خلال هذه الفترة، حيث وجده فيها عبد الله بن سعد حينما أقبل سنة 27هـ، وأنه كان يتردد بين القبائل حول برقة والواحات القريبة منها التي ظلّت على طاعة المسلمين طوال هذه الفترة. وتعتقد بعض المصادر أنّ إمدادات بيزنطيّة جديدة وصلت إلى طرابلس، فاستطاع أهلها أن يعوضوا ما خسروه حين فتح المسلمون مدينتهم، كما يظهر أنّ الحامية البيزنطيّة الجديدة التي أتتها اتعظت من الأخبار التي رواها الطرابلسيون عن غزوة المسلمين الأولى، فزادوا العناية بأسوار المدينة وتحصيناتها وأقاموها من جديد، وأخذت السفن الروميّة تصل مينائها بالمتاجر والجند وتقلع عنها، فعادت إلى ما كانت عليه قبيل الفتح الإسلامي ببضع سنوات.

فتح إفريقية

افتتح ابن أبي السرح ولايته بابتعاث السرايا إلى أطراف إفريقية، فنجحت تلك السرايا في مهمتها، وعادت مثقلة بالغنائم. وأرسل ابن أبي السرح إلى عثمان بخبر تلك السرايا، وليستأذنه في فتح إفريقية. شجّع نجاح السرايا عثمان، فوافق على مواصلة التقدّم نحو إفريقية رغم أنه كان في البداية على رأي عمر بن الخطّاب بالتوقف عن غزوها، لكنّ الأنباء المشجعة حول نجاح الحملات على أطراف إفريقية، بالإضافة إلى موافقة كبار الصحابة على هذا الأمر، جعلته يعقد العزم على التقدّم، فنادى بالجهاد في إفريقية، واجتمع خلقٌ كثيرٌ من المسلمين من كل القبائل، وخاصّةً تلك التي كانت تقطن حول المدينة المنوّرة. وقام عثمان فيهم خطيبًا وحثّهم على الجهاد، ووزّع عليهم السلاح، كما أمدّهم بألف بعير يحمل عليها ضعفاء الناس أي فقرائهم، فخرج المسلمون في جيشٍ عظيمٍ سنة 27 هـ يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فتكون القيادة له. ضمّ الجيش العديد من الأسماء البارزة كمعبد بن العبّاس بن عبد المطلب ومروان بن الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن الزبير والمسوّر بن مخزمة وعبد الرحمٰن بن زيد بن الخطّاب وعبد الله وعاصم وعبيد الله أبناء عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص وبسر بن أبي أرطأة وأبي ذؤيب الهذلي والمطّلب بن السّائب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والحسن والحسين ابني عليّ بن أبي طالب وغيرهم. فخرج ابن أبي السرح من مصر بجيش قوامه 20 ألف مقاتل من الفسطاط إلى إفريقية. وما أن بلغ الجيش برقة، انضم عقبة بن نافع ومن معه من المسلمين إلى الجيش، وأثناء تقدمهم وجدت إحدى سرايا الاستطلاع مراكب للروم راسية بالقرب من طرابلس، فاشتبكت معها، واستولت على ما فيها، وأسروا 100 رجل من الروم، بينما تحصّن أهل طرابلس خلف أسوار مدينتهم ولم يخرجوا للقاء ابن سعد، ولم يهاجمهم هو الآخر. ولا شكّ في أنّ المسلمين، وخاصّةً أولئك الذين خبروا الحرب على حدود إفريقية، كانوا يعلمون أنّ أهل طرابلس يكتفون منهم بتركهم في أمان، وعلى ذلك رأى ابن سعد ألّا ينهك قواه في إعادة فتح طرابلس. فتركها خلف ظهره، واتجه نحو أرض إفريقية الحقيقيّة مبتعدًا عن الشاطئ إلى أن وصل إلى منطقة قمونية (في موضع القيروان حاليا).

حينئذٍ، كانت إفريقية تحت ولاية البطريرك جرجير بن نيقيتاس بعد أن استقلّ بها عن الإمبراطوريّة البيزنطيّة واستأثر بحكم ما بين أطرابلس إلى طنجة، واتخذ من مدينة قرطاج عاصمةً لحكمه، ثمّ انسحب إلى سبيطلة كما أسلف. ولمّا بلغه خبر مسير جيش المسلمين، جمع 120 ألف مقاتل، وقبع ينتظر الموقعة الحاسمة. وكانت قمونية التي بلغها المسلمون غير بعيدة عن سبيطلة، فحطّ ابن سعد رحاله فيها ليستريح الجند من عناء الطريق وليأخذوا في الاستعداد للقاء الروم. وفي هذه الأثناء أخذ يرسل السرايا تستكشف البلاد في كل الجهات، وتأتي بالمؤن والعلف. وقبل أن يبدأ القتال بين القوّات الرئيسيّة، دارت مفاوضات بين الطرفين، وأرسل ابن أبي السرح رسلًا إلى جرجير يعرضون عليه -كما هي العادة- الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاختار الحرب وأن تحدد القوّة من ستكون له اليد العليا. ووقف الجيشان الإسلامي والرومي وجهًا لوجه في موضعٍ أمام سبيطلة على بعد يومٍ وليلةٍ واحدةٍ من المدينة، والتحم الجيشان واستبسلا في معركةٍ هائلة، فتعقّد موقفهما، ولم يتمكنا من الحسم، فالروم كانوا يرهبون المسلمين وينهزمون أمامهم، والمسلمون كانوا يخشون كثرة الروم وعظم معداتهم. فكانوا يقتتلون نهارًا من الصبح إلى صلاة الظهر، ثمّ يعودون إلى معسكراتهم فلا يستأنفون القتال إلّا في اليوم التالي. وقتئذٍ، أراد جرجير أن يحفّز جنوده على القتال، فأعلن عن جائزة لمن يقتل أمير المسلمين ابن أبي السرح بأن يزوّجه ابنته ويعطيه ما معها من جواري وأموال، ويعلي من قدره. ولمّا علم المسلمون بأمر الجائزة، أعلن ابن أبي السرح أن من يقتل جرجير وهبه ابنته ومن معها.

أشار ابن الزبير على ابن أبي السرح، أن يؤخّر بعض فرسان المسلمين عن القتال، ويقاتل بمن بقي، حتى ينهك الروم القتال، فيشرك هؤلاء الفرسان في القتال، ففعل. وجد ابن الزبير ثغرة في جيش الروم، فاخترق صفوفهم مع 30 فارسًا، حتى وصل إلى جرجير وقتله. فتشجّع المسلمون، وهُزم الروم هزيمة كبيرة، ثمّ حاصر ابن أبي سرح سبيطلة حتى فتحها، وغنم المسلمون يومئذٍ غنائم كثيرة. بعد ذلك، سار ابن أبي سرح فحاصر قرطاج حتى فتحها، ثم بثّ ابن أبي سرح السرايا إلى قفصة وحصن الأجم، فحاصرتهما حتى طلب أهلوهما الأمان فاستأمنوهما، فدبّ الرعب وتوافد أهل البلاد مسالمين، واصطلح المسلمون والرّوم على تأدية جزية للمسلمين قدرها 330,000 صرد، على أن يكف عنهم ويخرجوا من بلادهم فقبل ابن أبي السرح ذلك منهم، وأرسل ابن الزبير ببشارة الفتح إلى المدينة. وتهافت بطاركة إفريقية إلى ابن أبي السرح معلنين دخولهم ورعاياهم تحت ظل الخلافة، فأعطاهم المسلمون العهد المعتاد بأن لا يتعرّض لهم أحد في دينهم وأنفسهم ونسائهم وأولادهم وكنائسهم، وفي تلك الأثناء انسحب الروم إلى شبه جزيرة شريك (بين تونس وسوسة حاليًّا) واجتمعوا هناك في مدينةٍ تعرف بإقليبية ومنها انسحبوا بحرًا إلى جزيرة قوسرة.

توقف الفتوحات
عاد عقبة إلى مصر مع الجند سنة 28 هـ وظل بمصر مدة ثلاث عشرة سنة حتى 41 هـ، وتوقفت حركة الفتوحات إلا قليل من الحملات العسكرية. وعكف عقبة على العبادة والتفقه خلال تلك الحقبة. وفي تلك الفترة حدثت الكثير من الأحداث، ففي سنة 33 هـ نقض أهل إفريقية عهدهم مع المسلمين، فغزاها ابن أبي السرح مرة أخرى. وفي 34 هـ، سار معاوية بن حديج التجيبي والي مصر الجديد إلى إفريقية لقتال المنتقضين. وفي 18 ذي الحجَّة سنة 35 هـ قُتِلَ عثمان بن عفان ووقعت الفتنة بين المسلمين، ولم تذكر المصادر شيئًا عن أحوال عقبة في تلك الفترة، ويبدو أنه اعتزل الفتنة ولم يشارك فيها. وفي 39 هـ تولى عمرو بن العاص ولاية مصر مرة ثانية، وفي 41 هـ استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان بعد الصلح مع الحسن بن علي فيما يُعرف بعام الجماعة.

في سنة 41 هـ، أرسل عمرو بن العاص معاوية بن حديج لِغزو إفريقية مرَّة ثانية، بعد أن نقض أهل إفريقية العهد مُجددًا، فسار على رأس جيش عدته عشرة آلاف، فالتقى عقبة في برقة. كما أرسل ابن العاص عقبة بن نافع إلى غدامس سنة 42 هـ، فافتتحها، ومنها سار إلى ودَّان وبعض النواحي المجاورة لها، فافتتحها أيضًا. وولى معاوية بن حديج ولاية إفريقية، وكان أول والٍ لها. وبعث مُعاوية بن حُديج رويفع بن ثابت إلى جربة، فافتتحها.

ولاية عقبة على إفريقية
في سنة 47 هـ ولى معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج على مصر، فعاد ابن حديج إلى مصر وأناب عقبة بن نافع على ولاية حرب إفريقية، وفي سنة 49 هـ غزا عقبة بن نافع الروم في البحر بأهل مصر. وفي سنة 50 هـ/670م عزل معاوية بن سفيان معاوية بن حديج عن إفريقية، وأقره على ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع الفهري.

ابتدأ عقبة ولايته بغزو سرت، ومنها سار إلى ودّان بعد أن نقض أهلها عهدهم معه حين افتتحها في ولاية عمرو بن العاص الثانية، فافتتحها مجددًا. وبعدها سار إلى جرمة كبرى مدن فزّان، فدعاهم إلى الإسلام، فأجابوا. ثم مضى على قصور فزّان، فافتتحها قصرًا قصرًا، ومنها إلى قصور خاوار، فحاصر قصبة كوار، فلم يتمكن منها، فمضى وافتتح قصورها، ثم عاد من طريق آخر إلى خاوار، فداهم أهلها وافتتح القصبة. بعد ذلك، انصرف عائدًا إلى زويلة، ومنها سار إلى أرض قبيلة مزاتة في ودّان، فافتتح قصورها، ثم إلى صفر فافتتحها، ثم بعث خيلاً إلى غدامس، فأعاد افتتاحها غدامس. ولما عادت إليه السرايا سار إلى قفصة فافتتحها، وافتتح قصطيلية، كما وجّه عقبة بسر بن أبي أرطأة إلى إحدى القلاع بالقرب من مجانة، فافتتحها. وازدادت قوّات المسلمين آنذاك وقدرتهم على الحرب بفضل البربر الذي دخل العديد منهم في الإسلام، فأصبحوا، وهم أهل البلاد، يقدمون النصح والمشورة ويرشدون الجيوش ويقاتلون معهم. ولم يلقَ عقبة مقاومةً تذكر في حملته وغزواته.
محمود شيت خطاب - محمود شيت خطاب (1919 – 23 شعبان 1419 هـ 1998 م) ولد في مدينة الموصل شمال العراق، ونشأ في أسرة إسلامية ملتزمة، وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو شقيق القاضي العراقي المعروف ضياء شيت خطاب.

❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ عدالة السماء قصص واقعية هادفة ❝ ❞ العسكرية الإسرائيلية ❝ ❞ العسكرية العربية الإسلامية عقيدة وتاريخا وقادة وتراثا ولغة وسلاحا ❝ ❞ قادة فتح المغرب العربي ❝ ❞ الرسول القائد ❝ ❞ قادة فتح بلاد فارس (إيران) ❝ ❞ قادة الفتح الإسلامي في بلاد ما وراء النهر ❝ ❞ الأيام الحاسمة قبل معركة المصير وبعدها ❝ ❞ قادة فتح الأندلس الجزء الأول ❝ الناشرين : ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الفكر للطباعة والنشر بسوريا ❝ ❞ دار الفكر المعاصر ❝ ❞ مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار مكتبة الحياة ❝ ❞ دار الطليعة للطباعة والنشر ❝ ❞ دار الاعتصام للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الأندلس الخضراء ❝ ❞ دار الفتح ❝ ❞ دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان ❝ ❞ مطبعة العاني ❝ ❞ الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة ❝ ❞ كتاب الأمة ❝ ❞ المجمع الفقهي الاسلامي ❝ ❞ منار للنشر والتوزيع - دمشق ❝ ❱
من التراجم والأعلام - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
عقبة بن نافع الفهري

1965م - 1445هـ
عقبة بن نافع الفهري القرشي (قبيل 8 هـ أو 10 هـ - 63 هـ) هو تابعي وقائد عسكري من أبرز قادة الفتح الإسلامي للمغرب في عهد الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية، ووالي إفريقية مرتين (47–55هـ) و(62-63هـ) في عهدي معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية. يُلقَّب بفاتح إفريقية.

ولد عقبة في بني فهر بن مالك من قبيلة قريش في مكة على عهد النبي محمد، لكن لم ير النبي ولم يسمع منه. فهو معدود من التابعين. شارك عقبة في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بها، ثم في فتح برقة، وزويلة والواحات، ثم ولاه عمرو بن العاص على برقة والمناطق التي افتتحها. وفي ولاية عبد الله بن سعد بن أبي السرح شارك عقبة في فتح سبيطلة. وبعدها عاد عقبة إلى مصر سنة 28 هـ وظل بمصر مدة ثلاث عشرة سنة حتى 41 هـ، وفي سنة 47 هـ ولاه معاوية بن حديج والي مصر على ولاية حرب إفريقية، وفي سنة 50 هـ فصل معاوية بن أبي سفيان ولاية إفريقية عن ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع؛ فافتتح سرت وجرمة وقصطيلية ومجانة. وأمر ببناء القيروان لتكون معسكرًا لرباط المسلمين، واستمر بناؤها من سنة 51 هـ إلى سنة 55 هـ، وبنى بها المسجد الأعظم المعروف اليوم بجامع عقبة بن نافع.

عُزلّ عقبة عن إفريقية سنة 55 هـ، ووُلّيَ أبو المهاجر دينار عليها، فأساء إلى عقبة واعتقله وسجنه وألبسه الحديد حتى أتاه كتابٌ من معاوية بتخلية سبيله وإرساله إليه، فسار عقبة إلى دمشق، وظل بها حتى وفاة معاوية. ثم ولاه يزيد بن معاوية مرة أخرى على إفريقية سنة 62 هـ، فدخلها وافتتح الجريد وتاهرت، وقاتل أوربة فهرب زعيمهم كسيلة. وصالح يُليان حاكم طنجة وسبتة، ثم افتتح السوس الأدنى والسوس الأقصى حتى وصل إلى المحيط. وفي طريق العودة صرف عقبة جل عساكره إلى القيروان، وبقي معه حوالي 300 رجل فقط، فاستغل كسيلة ذلك، وحشد جيشًا قوامه خمسون ألف مقاتلٍ تقريبًا، والتقى مع عقبة وأصحابه، فقتل عقبة وأبو المهاجر وأغلب الجيش، ووقع في الأسر قلة منهم.

اشترك عقبة -في عهد عمر بن الخطاب- في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، واختط بها. ولما فتح المسلمون مصر بعث عمْرو بن العاص إلى القرى حولها الخيل تطؤهم، فبعث عقبة بن نافع بن عبد قيس على رأس الجند، فدخلت خيولهم أرض النّوبة غزاة، فلقي المسلمون من النوبة قتالًا شديدًا، ففي أول يوم رشقوهم بالنّبل، وجرح منهم عامتهم، وانصرفوا بجراحات كثيرة، فلم تفتّح النوبة، ورجع عقبة بالجند. وظلت النوبة لم تفتّح حتى ولّي مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرْح، فسأله أهل النوبة الصلح والموادعة، فأجابهم إلى ذلك واصطلحوا على غير جزية، على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون طعامًا مثل ذلك.

فتح برقة وطرابلس وفزان

بعث عمرو بن العاص نفرًا من جنده بقيادة عقبة بن نافع ليستطلعوا أحوال برقة ويوافوه بأخبارها قبل أن يتقدّم إليها، فسار عقبة إلى زويلة وأطراف برقة وما جاورها من البلاد، فتبيّن له أنّ قبائل البربر التي تقطن تلك النواحي كانت في سكونٍ شاملٍ وهدوءٍ كامل. أرسل عقبة المعلومات التي حصل عليها إلى عمرو بن العاص، الذي قرر مواصلة السير لفتح كامل بلاد إنطابلس التي تعرف اليوم ببرقة. ولم يكن الطريق إلى برقة آنذاك صحراويًّا، بل كانت عليه سلسلةٌ من المدائن والمنازل متصلة، وأكثره أرض خصبة ذات زرع. كانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين، فلم يصادفوا مقاومةً تذكر، وانضمّت إليهم أثناء السير بضعة قبائل بربريّة معلنةً ولائها للإسلام والمسلمين. ولمّا بلغت خيل ابن العاص برقة، ضربوا الحصار عليها، وعرض عليهم عمرو بن العاص الثلاث خصال التي عرضها على المقوقس وأهل مصر ومن قبلهم الشّام، وهي: الإسلام أو الجزية أو القتال. ووجد أهل برقة أنه لا طاقة لهم بقتال المسلمين فقبلوا المصالحة على أن يؤدوا جزية للمسلمين قوامها 13 ألف دينار، وأن يبيعوا من أحبّوا من أبنائهم في جزيتهم، وقيل كذلك دينار عن كل شخصٍ بالغ.

استمر عمرو بن العاص مسيره بالجند حتى أطرابلس فحاصرها شهرًا. وعلم المسلمون آنذاك أنّ الجهة البحريّة خالية من الدفاعات وغير محصنة، وأنهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك، فرأوا استغلال حركة الجزر، وانتظار انحسار الماء عن المدينة من جهة البحر، فدخلت جماعة منهم بين أسوار المدينة والبحر وقاتلت الحامية المولجة بالدفاع عن هذه الجهة، وصاح أفرادها «الله أكبر»، فترددت أصداء التكبير في أزقّة المدينة وطرقاتها، فذعر المدافعون عنها، ودبّت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولمّا رأى الحرّاس فرار الحامية البيزنطيّة، تركوا مراكزهم، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة.


وفي اليوم التالي، فاجأ ابن العاص أهل سبرت بخيله، وكانوا مستأمنين على منعة طرابلس التي كانت تحول بينهم وبين المسلمين، فهاجمها صباحًا على حين غرّة. وذعر السكّان، وقد ظنّوا أنّ المسلمين لا يزالون يحاصرون طرابلس، فاضطرّوا إلى فتح أبواب المدينة عند أوّل هجمة إسلاميّة. واحتوى المسلمون على ما فيها لأنّها فتحت عنوة. ولما تمكّن ابن العاص من فتح سبرت، كاتب عمرَ بنَ الخطاب يعلمه بالنصر، وأن التالي بلاد إفريقية، ويستأذنه في افتتاحها، فأبى عمر قائلاً: «لا إنّها ليْست بإفريقية، ولكنّها المفرّقة غادرةٌ مغْدورٌ بها، لا يغزوها أحدٌ ما بقيْت»، ويروي البلاذري ما مفاده أنّ الخليفة لمّا سمع بأخبار إفريقية وأوضاعها السياسيّة وتاريخها عرف أنها ليست مأمونة الجانب ولا ميسورة الفتح ولا قريبة الطاعة، فعجّل بإيقاف عمرو.

خلال الفترة ما بين تمام فتح برقة، وحصار المسلمين لطرابلس وفتحها، كان عمرو بن العاص قد وجّه عقبة بن نافع نحو الطريق الداخليّ بين برقة وزويلة لافتتاح الواحات حتّى لا تتحوّل إلى أماكن تجمّع للمقاومة البربريّة فتقطع طريق العودة على المسلمين، فافتتح أجدابية في طريقه صلحًا على أن تؤدّي 5 آلاف دينار جزية للمسلمين، ثم واصل عقبة حتى بلغ زويلة، فصالحه أهلها، وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. وبعد أن تمّ فتح إقليمَي طرابلس وفزّان؛ شارك عقبة في الحملات التي تلت ذلك لإتمام إخضاع بقيّة قبائل الصحراء وإدخالها في الإسلام أو العهد.

ولاية برقة

ولى عمرو بن العاص عقبة على برقة والمناطق التي افتتحها، وعاد عمرو إلى الفسطاط. وكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب يخبره أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري، وأنه بلغ زويلة وأن ما بين زويلة وبرقة سلْمٌ كلهم، قد أطاع مسلمهم بالصدقة، ومعاهدهم بالجزية، وأنه بلغ طرابلس ففتحها، فكتب إلى عمر يطلب منه الإذن بفتح إفريقية فقال: «إن بينها وبين إفريقية تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن للمسلمين في دخولها فعل، فإن المسلمين قد اجْتَرءُوا عليهم وعلى بلادهم وعرفوا قتالهم، وليس عدوًّا كلُّ شوكة منهم، وإِفريقية عين مال المغرب، فيوسع الله بما فيها على المسلمين». لكن عمر رفض ذلك وكتب إليه: «ولو فتحت إِفريقية ما قامت بوال مقتصدٍ لا جند معه، ثم لا آمن أن يقتلوه، فإن شحنتها بالرجال كلفت حمل مال مصر أو عامته إليها، لا أدخلها جندًا للمسلمين أبدًا، وسيرى الوالي بعدي رأيه». توفي عمر بن الخطاب، وتولى عثمان بن عفان الخلافة في ذي الحجة 23 هـ، وفي سنة 24 هـ عيّن عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح على خراج مصر، مع بقاء عمرو على الجيش والإدارة في مصر، فاختلف عمرو وعبد الله، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: «إن عمرا كسر الخراج»، وكتب عمرو: «إن عبد الله كسر على حيلة الحرب»، فكتب عثمان إلى عمرو أن ينصرف، وجعل عبد الله بن سعد واليًا لمصر.

لم تتحدث المراجع عن شيءٍ ثابتٍ مما حصل خلال السنوات الأربع التي انقضت بين انصراف عمرو وإقبال عبد الله بن سعد، لكن يرجّح أنّ طرابلس وما يليها من البلاد ارتدّت عن طاعة المسلمين بعيد انصرافهم عنها، وتعتقد بعض المصادر أنّ عقبة بن نافع لبث في برقة خلال هذه الفترة، حيث وجده فيها عبد الله بن سعد حينما أقبل سنة 27هـ، وأنه كان يتردد بين القبائل حول برقة والواحات القريبة منها التي ظلّت على طاعة المسلمين طوال هذه الفترة. وتعتقد بعض المصادر أنّ إمدادات بيزنطيّة جديدة وصلت إلى طرابلس، فاستطاع أهلها أن يعوضوا ما خسروه حين فتح المسلمون مدينتهم، كما يظهر أنّ الحامية البيزنطيّة الجديدة التي أتتها اتعظت من الأخبار التي رواها الطرابلسيون عن غزوة المسلمين الأولى، فزادوا العناية بأسوار المدينة وتحصيناتها وأقاموها من جديد، وأخذت السفن الروميّة تصل مينائها بالمتاجر والجند وتقلع عنها، فعادت إلى ما كانت عليه قبيل الفتح الإسلامي ببضع سنوات.

فتح إفريقية

افتتح ابن أبي السرح ولايته بابتعاث السرايا إلى أطراف إفريقية، فنجحت تلك السرايا في مهمتها، وعادت مثقلة بالغنائم. وأرسل ابن أبي السرح إلى عثمان بخبر تلك السرايا، وليستأذنه في فتح إفريقية. شجّع نجاح السرايا عثمان، فوافق على مواصلة التقدّم نحو إفريقية رغم أنه كان في البداية على رأي عمر بن الخطّاب بالتوقف عن غزوها، لكنّ الأنباء المشجعة حول نجاح الحملات على أطراف إفريقية، بالإضافة إلى موافقة كبار الصحابة على هذا الأمر، جعلته يعقد العزم على التقدّم، فنادى بالجهاد في إفريقية، واجتمع خلقٌ كثيرٌ من المسلمين من كل القبائل، وخاصّةً تلك التي كانت تقطن حول المدينة المنوّرة. وقام عثمان فيهم خطيبًا وحثّهم على الجهاد، ووزّع عليهم السلاح، كما أمدّهم بألف بعير يحمل عليها ضعفاء الناس أي فقرائهم، فخرج المسلمون في جيشٍ عظيمٍ سنة 27 هـ يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فتكون القيادة له. ضمّ الجيش العديد من الأسماء البارزة كمعبد بن العبّاس بن عبد المطلب ومروان بن الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن الزبير والمسوّر بن مخزمة وعبد الرحمٰن بن زيد بن الخطّاب وعبد الله وعاصم وعبيد الله أبناء عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص وبسر بن أبي أرطأة وأبي ذؤيب الهذلي والمطّلب بن السّائب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والحسن والحسين ابني عليّ بن أبي طالب وغيرهم. فخرج ابن أبي السرح من مصر بجيش قوامه 20 ألف مقاتل من الفسطاط إلى إفريقية. وما أن بلغ الجيش برقة، انضم عقبة بن نافع ومن معه من المسلمين إلى الجيش، وأثناء تقدمهم وجدت إحدى سرايا الاستطلاع مراكب للروم راسية بالقرب من طرابلس، فاشتبكت معها، واستولت على ما فيها، وأسروا 100 رجل من الروم، بينما تحصّن أهل طرابلس خلف أسوار مدينتهم ولم يخرجوا للقاء ابن سعد، ولم يهاجمهم هو الآخر. ولا شكّ في أنّ المسلمين، وخاصّةً أولئك الذين خبروا الحرب على حدود إفريقية، كانوا يعلمون أنّ أهل طرابلس يكتفون منهم بتركهم في أمان، وعلى ذلك رأى ابن سعد ألّا ينهك قواه في إعادة فتح طرابلس. فتركها خلف ظهره، واتجه نحو أرض إفريقية الحقيقيّة مبتعدًا عن الشاطئ إلى أن وصل إلى منطقة قمونية (في موضع القيروان حاليا).

حينئذٍ، كانت إفريقية تحت ولاية البطريرك جرجير بن نيقيتاس بعد أن استقلّ بها عن الإمبراطوريّة البيزنطيّة واستأثر بحكم ما بين أطرابلس إلى طنجة، واتخذ من مدينة قرطاج عاصمةً لحكمه، ثمّ انسحب إلى سبيطلة كما أسلف. ولمّا بلغه خبر مسير جيش المسلمين، جمع 120 ألف مقاتل، وقبع ينتظر الموقعة الحاسمة. وكانت قمونية التي بلغها المسلمون غير بعيدة عن سبيطلة، فحطّ ابن سعد رحاله فيها ليستريح الجند من عناء الطريق وليأخذوا في الاستعداد للقاء الروم. وفي هذه الأثناء أخذ يرسل السرايا تستكشف البلاد في كل الجهات، وتأتي بالمؤن والعلف. وقبل أن يبدأ القتال بين القوّات الرئيسيّة، دارت مفاوضات بين الطرفين، وأرسل ابن أبي السرح رسلًا إلى جرجير يعرضون عليه -كما هي العادة- الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاختار الحرب وأن تحدد القوّة من ستكون له اليد العليا. ووقف الجيشان الإسلامي والرومي وجهًا لوجه في موضعٍ أمام سبيطلة على بعد يومٍ وليلةٍ واحدةٍ من المدينة، والتحم الجيشان واستبسلا في معركةٍ هائلة، فتعقّد موقفهما، ولم يتمكنا من الحسم، فالروم كانوا يرهبون المسلمين وينهزمون أمامهم، والمسلمون كانوا يخشون كثرة الروم وعظم معداتهم. فكانوا يقتتلون نهارًا من الصبح إلى صلاة الظهر، ثمّ يعودون إلى معسكراتهم فلا يستأنفون القتال إلّا في اليوم التالي. وقتئذٍ، أراد جرجير أن يحفّز جنوده على القتال، فأعلن عن جائزة لمن يقتل أمير المسلمين ابن أبي السرح بأن يزوّجه ابنته ويعطيه ما معها من جواري وأموال، ويعلي من قدره. ولمّا علم المسلمون بأمر الجائزة، أعلن ابن أبي السرح أن من يقتل جرجير وهبه ابنته ومن معها.

أشار ابن الزبير على ابن أبي السرح، أن يؤخّر بعض فرسان المسلمين عن القتال، ويقاتل بمن بقي، حتى ينهك الروم القتال، فيشرك هؤلاء الفرسان في القتال، ففعل. وجد ابن الزبير ثغرة في جيش الروم، فاخترق صفوفهم مع 30 فارسًا، حتى وصل إلى جرجير وقتله. فتشجّع المسلمون، وهُزم الروم هزيمة كبيرة، ثمّ حاصر ابن أبي سرح سبيطلة حتى فتحها، وغنم المسلمون يومئذٍ غنائم كثيرة. بعد ذلك، سار ابن أبي سرح فحاصر قرطاج حتى فتحها، ثم بثّ ابن أبي سرح السرايا إلى قفصة وحصن الأجم، فحاصرتهما حتى طلب أهلوهما الأمان فاستأمنوهما، فدبّ الرعب وتوافد أهل البلاد مسالمين، واصطلح المسلمون والرّوم على تأدية جزية للمسلمين قدرها 330,000 صرد، على أن يكف عنهم ويخرجوا من بلادهم فقبل ابن أبي السرح ذلك منهم، وأرسل ابن الزبير ببشارة الفتح إلى المدينة. وتهافت بطاركة إفريقية إلى ابن أبي السرح معلنين دخولهم ورعاياهم تحت ظل الخلافة، فأعطاهم المسلمون العهد المعتاد بأن لا يتعرّض لهم أحد في دينهم وأنفسهم ونسائهم وأولادهم وكنائسهم، وفي تلك الأثناء انسحب الروم إلى شبه جزيرة شريك (بين تونس وسوسة حاليًّا) واجتمعوا هناك في مدينةٍ تعرف بإقليبية ومنها انسحبوا بحرًا إلى جزيرة قوسرة.

توقف الفتوحات
عاد عقبة إلى مصر مع الجند سنة 28 هـ وظل بمصر مدة ثلاث عشرة سنة حتى 41 هـ، وتوقفت حركة الفتوحات إلا قليل من الحملات العسكرية. وعكف عقبة على العبادة والتفقه خلال تلك الحقبة. وفي تلك الفترة حدثت الكثير من الأحداث، ففي سنة 33 هـ نقض أهل إفريقية عهدهم مع المسلمين، فغزاها ابن أبي السرح مرة أخرى. وفي 34 هـ، سار معاوية بن حديج التجيبي والي مصر الجديد إلى إفريقية لقتال المنتقضين. وفي 18 ذي الحجَّة سنة 35 هـ قُتِلَ عثمان بن عفان ووقعت الفتنة بين المسلمين، ولم تذكر المصادر شيئًا عن أحوال عقبة في تلك الفترة، ويبدو أنه اعتزل الفتنة ولم يشارك فيها. وفي 39 هـ تولى عمرو بن العاص ولاية مصر مرة ثانية، وفي 41 هـ استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان بعد الصلح مع الحسن بن علي فيما يُعرف بعام الجماعة.

في سنة 41 هـ، أرسل عمرو بن العاص معاوية بن حديج لِغزو إفريقية مرَّة ثانية، بعد أن نقض أهل إفريقية العهد مُجددًا، فسار على رأس جيش عدته عشرة آلاف، فالتقى عقبة في برقة. كما أرسل ابن العاص عقبة بن نافع إلى غدامس سنة 42 هـ، فافتتحها، ومنها سار إلى ودَّان وبعض النواحي المجاورة لها، فافتتحها أيضًا. وولى معاوية بن حديج ولاية إفريقية، وكان أول والٍ لها. وبعث مُعاوية بن حُديج رويفع بن ثابت إلى جربة، فافتتحها.

ولاية عقبة على إفريقية
في سنة 47 هـ ولى معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج على مصر، فعاد ابن حديج إلى مصر وأناب عقبة بن نافع على ولاية حرب إفريقية، وفي سنة 49 هـ غزا عقبة بن نافع الروم في البحر بأهل مصر. وفي سنة 50 هـ/670م عزل معاوية بن سفيان معاوية بن حديج عن إفريقية، وأقره على ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع الفهري.

ابتدأ عقبة ولايته بغزو سرت، ومنها سار إلى ودّان بعد أن نقض أهلها عهدهم معه حين افتتحها في ولاية عمرو بن العاص الثانية، فافتتحها مجددًا. وبعدها سار إلى جرمة كبرى مدن فزّان، فدعاهم إلى الإسلام، فأجابوا. ثم مضى على قصور فزّان، فافتتحها قصرًا قصرًا، ومنها إلى قصور خاوار، فحاصر قصبة كوار، فلم يتمكن منها، فمضى وافتتح قصورها، ثم عاد من طريق آخر إلى خاوار، فداهم أهلها وافتتح القصبة. بعد ذلك، انصرف عائدًا إلى زويلة، ومنها سار إلى أرض قبيلة مزاتة في ودّان، فافتتح قصورها، ثم إلى صفر فافتتحها، ثم بعث خيلاً إلى غدامس، فأعاد افتتاحها غدامس. ولما عادت إليه السرايا سار إلى قفصة فافتتحها، وافتتح قصطيلية، كما وجّه عقبة بسر بن أبي أرطأة إلى إحدى القلاع بالقرب من مجانة، فافتتحها. وازدادت قوّات المسلمين آنذاك وقدرتهم على الحرب بفضل البربر الذي دخل العديد منهم في الإسلام، فأصبحوا، وهم أهل البلاد، يقدمون النصح والمشورة ويرشدون الجيوش ويقاتلون معهم. ولم يلقَ عقبة مقاومةً تذكر في حملته وغزواته. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

عقبة بن نافع الفهري القرشي (قبيل 8 هـ أو 10 هـ - 63 هـ) هو تابعي وقائد عسكري من أبرز قادة الفتح الإسلامي للمغرب في عهد الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية، ووالي إفريقية مرتين (47–55هـ) و(62-63هـ) في عهدي معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية. يُلقَّب بفاتح إفريقية.

ولد عقبة في بني فهر بن مالك من قبيلة قريش في مكة على عهد النبي محمد، لكن لم ير النبي ولم يسمع منه. فهو معدود من التابعين. شارك عقبة في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بها، ثم في فتح برقة، وزويلة والواحات، ثم ولاه عمرو بن العاص على برقة والمناطق التي افتتحها. وفي ولاية عبد الله بن سعد بن أبي السرح شارك عقبة في فتح سبيطلة. وبعدها عاد عقبة إلى مصر سنة 28 هـ وظل بمصر مدة ثلاث عشرة سنة حتى 41 هـ، وفي سنة 47 هـ ولاه معاوية بن حديج والي مصر على ولاية حرب إفريقية، وفي سنة 50 هـ فصل معاوية بن أبي سفيان ولاية إفريقية عن ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع؛ فافتتح سرت وجرمة وقصطيلية ومجانة. وأمر ببناء القيروان لتكون معسكرًا لرباط المسلمين، واستمر بناؤها من سنة 51 هـ إلى سنة 55 هـ، وبنى بها المسجد الأعظم المعروف اليوم بجامع عقبة بن نافع.

عُزلّ عقبة عن إفريقية سنة 55 هـ، ووُلّيَ أبو المهاجر دينار عليها، فأساء إلى عقبة واعتقله وسجنه وألبسه الحديد حتى أتاه كتابٌ من معاوية بتخلية سبيله وإرساله إليه، فسار عقبة إلى دمشق، وظل بها حتى وفاة معاوية. ثم ولاه يزيد بن معاوية مرة أخرى على إفريقية سنة 62 هـ، فدخلها وافتتح الجريد وتاهرت، وقاتل أوربة فهرب زعيمهم كسيلة. وصالح يُليان حاكم طنجة وسبتة، ثم افتتح السوس الأدنى والسوس الأقصى حتى وصل إلى المحيط. وفي طريق العودة صرف عقبة جل عساكره إلى القيروان، وبقي معه حوالي 300 رجل فقط، فاستغل كسيلة ذلك، وحشد جيشًا قوامه خمسون ألف مقاتلٍ تقريبًا، والتقى مع عقبة وأصحابه، فقتل عقبة وأبو المهاجر وأغلب الجيش، ووقع في الأسر قلة منهم.

اشترك عقبة -في عهد عمر بن الخطاب- في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، واختط بها. ولما فتح المسلمون مصر بعث عمْرو بن العاص إلى القرى حولها الخيل تطؤهم، فبعث عقبة بن نافع بن عبد قيس على رأس الجند، فدخلت خيولهم أرض النّوبة غزاة، فلقي المسلمون من النوبة قتالًا شديدًا، ففي أول يوم رشقوهم بالنّبل، وجرح منهم عامتهم، وانصرفوا بجراحات كثيرة، فلم تفتّح النوبة، ورجع عقبة بالجند. وظلت النوبة لم تفتّح حتى ولّي مصر عبد الله بن سعد بن أبي السرْح، فسأله أهل النوبة الصلح والموادعة، فأجابهم إلى ذلك واصطلحوا على غير جزية، على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة، ويهدي إليهم المسلمون طعامًا مثل ذلك.

فتح برقة وطرابلس وفزان

بعث عمرو بن العاص نفرًا من جنده بقيادة عقبة بن نافع ليستطلعوا أحوال برقة ويوافوه بأخبارها قبل أن يتقدّم إليها، فسار عقبة إلى زويلة وأطراف برقة وما جاورها من البلاد،  فتبيّن له أنّ قبائل البربر التي تقطن تلك النواحي كانت في سكونٍ شاملٍ وهدوءٍ كامل. أرسل عقبة المعلومات التي حصل عليها إلى عمرو بن العاص، الذي قرر مواصلة السير لفتح كامل بلاد إنطابلس التي تعرف اليوم ببرقة. ولم يكن الطريق إلى برقة آنذاك صحراويًّا، بل كانت عليه سلسلةٌ من المدائن والمنازل متصلة، وأكثره أرض خصبة ذات زرع. كانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين، فلم يصادفوا مقاومةً تذكر، وانضمّت إليهم أثناء السير بضعة قبائل بربريّة معلنةً ولائها للإسلام والمسلمين. ولمّا بلغت خيل ابن العاص برقة، ضربوا الحصار عليها، وعرض عليهم عمرو بن العاص الثلاث خصال التي عرضها على المقوقس وأهل مصر ومن قبلهم الشّام، وهي: الإسلام أو الجزية أو القتال. ووجد أهل برقة أنه لا طاقة لهم بقتال المسلمين فقبلوا المصالحة على أن يؤدوا جزية للمسلمين قوامها 13 ألف دينار، وأن يبيعوا من أحبّوا من أبنائهم في جزيتهم، وقيل كذلك دينار عن كل شخصٍ بالغ.

استمر عمرو بن العاص مسيره بالجند حتى أطرابلس فحاصرها شهرًا. وعلم المسلمون آنذاك أنّ الجهة البحريّة خالية من الدفاعات وغير محصنة، وأنهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك، فرأوا استغلال حركة الجزر، وانتظار انحسار الماء عن المدينة من جهة البحر، فدخلت جماعة منهم بين أسوار المدينة والبحر وقاتلت الحامية المولجة بالدفاع عن هذه الجهة، وصاح أفرادها «الله أكبر»، فترددت أصداء التكبير في أزقّة المدينة وطرقاتها، فذعر المدافعون عنها، ودبّت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولمّا رأى الحرّاس فرار الحامية البيزنطيّة، تركوا مراكزهم، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة.


وفي اليوم التالي، فاجأ ابن العاص أهل سبرت بخيله، وكانوا مستأمنين على منعة طرابلس التي كانت تحول بينهم وبين المسلمين، فهاجمها صباحًا على حين غرّة. وذعر السكّان، وقد ظنّوا أنّ المسلمين لا يزالون يحاصرون طرابلس، فاضطرّوا إلى فتح أبواب المدينة عند أوّل هجمة إسلاميّة. واحتوى المسلمون على ما فيها لأنّها فتحت عنوة. ولما تمكّن ابن العاص من فتح سبرت، كاتب عمرَ بنَ الخطاب يعلمه بالنصر، وأن التالي بلاد إفريقية، ويستأذنه في افتتاحها، فأبى عمر قائلاً: «لا إنّها ليْست بإفريقية، ولكنّها المفرّقة غادرةٌ مغْدورٌ بها، لا يغزوها أحدٌ ما بقيْت»، ويروي البلاذري ما مفاده أنّ الخليفة لمّا سمع بأخبار إفريقية وأوضاعها السياسيّة وتاريخها عرف أنها ليست مأمونة الجانب ولا ميسورة الفتح ولا قريبة الطاعة، فعجّل بإيقاف عمرو.

خلال الفترة ما بين تمام فتح برقة، وحصار المسلمين لطرابلس وفتحها، كان عمرو بن العاص قد وجّه عقبة بن نافع نحو الطريق الداخليّ بين برقة وزويلة لافتتاح الواحات حتّى لا تتحوّل إلى أماكن تجمّع للمقاومة البربريّة فتقطع طريق العودة على المسلمين، فافتتح أجدابية في طريقه صلحًا على أن تؤدّي 5 آلاف دينار جزية للمسلمين، ثم واصل عقبة حتى بلغ زويلة، فصالحه أهلها، وصار ما بين برقة وزويلة للمسلمين. وبعد أن تمّ فتح إقليمَي طرابلس وفزّان؛ شارك عقبة في الحملات التي تلت ذلك لإتمام إخضاع بقيّة قبائل الصحراء وإدخالها في الإسلام أو العهد.

ولاية برقة

ولى عمرو بن العاص عقبة على برقة والمناطق التي افتتحها، وعاد عمرو إلى الفسطاط. وكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب يخبره أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري، وأنه بلغ زويلة وأن ما بين زويلة وبرقة سلْمٌ كلهم، قد أطاع مسلمهم بالصدقة، ومعاهدهم بالجزية، وأنه بلغ طرابلس ففتحها، فكتب إلى عمر يطلب منه الإذن بفتح إفريقية فقال: «إن بينها وبين إفريقية تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن للمسلمين في دخولها فعل، فإن المسلمين قد اجْتَرءُوا عليهم وعلى بلادهم وعرفوا قتالهم، وليس عدوًّا كلُّ شوكة منهم، وإِفريقية عين مال المغرب، فيوسع الله بما فيها على المسلمين». لكن عمر رفض ذلك وكتب إليه: «ولو فتحت إِفريقية ما قامت بوال مقتصدٍ لا جند معه، ثم لا آمن أن يقتلوه، فإن شحنتها بالرجال كلفت حمل مال مصر أو عامته إليها، لا أدخلها جندًا للمسلمين أبدًا، وسيرى الوالي بعدي رأيه». توفي عمر بن الخطاب، وتولى عثمان بن عفان الخلافة في ذي الحجة 23 هـ، وفي سنة 24 هـ عيّن عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح على خراج مصر، مع بقاء عمرو على الجيش والإدارة في مصر، فاختلف عمرو وعبد الله، فكتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: «إن عمرا كسر الخراج»، وكتب عمرو: «إن عبد الله كسر على حيلة الحرب»، فكتب عثمان إلى عمرو أن ينصرف، وجعل عبد الله بن سعد واليًا لمصر.

لم تتحدث المراجع عن شيءٍ ثابتٍ مما حصل خلال السنوات الأربع التي انقضت بين انصراف عمرو وإقبال عبد الله بن سعد، لكن يرجّح أنّ طرابلس وما يليها من البلاد ارتدّت عن طاعة المسلمين بعيد انصرافهم عنها، وتعتقد بعض المصادر أنّ عقبة بن نافع لبث في برقة خلال هذه الفترة، حيث وجده فيها عبد الله بن سعد حينما أقبل سنة 27هـ، وأنه كان يتردد بين القبائل حول برقة والواحات القريبة منها التي ظلّت على طاعة المسلمين طوال هذه الفترة. وتعتقد بعض المصادر أنّ إمدادات بيزنطيّة جديدة وصلت إلى طرابلس، فاستطاع أهلها أن يعوضوا ما خسروه حين فتح المسلمون مدينتهم، كما يظهر أنّ الحامية البيزنطيّة الجديدة التي أتتها اتعظت من الأخبار التي رواها الطرابلسيون عن غزوة المسلمين الأولى، فزادوا العناية بأسوار المدينة وتحصيناتها وأقاموها من جديد، وأخذت السفن الروميّة تصل مينائها بالمتاجر والجند وتقلع عنها، فعادت إلى ما كانت عليه قبيل الفتح الإسلامي ببضع سنوات.

فتح إفريقية

افتتح ابن أبي السرح ولايته بابتعاث السرايا إلى أطراف إفريقية، فنجحت تلك السرايا في مهمتها، وعادت مثقلة بالغنائم. وأرسل ابن أبي السرح إلى عثمان بخبر تلك السرايا، وليستأذنه في فتح إفريقية. شجّع نجاح السرايا عثمان، فوافق على مواصلة التقدّم نحو إفريقية رغم أنه كان في البداية على رأي عمر بن الخطّاب بالتوقف عن غزوها، لكنّ الأنباء المشجعة حول نجاح الحملات على أطراف إفريقية، بالإضافة إلى موافقة كبار الصحابة على هذا الأمر، جعلته يعقد العزم على التقدّم، فنادى بالجهاد في إفريقية، واجتمع خلقٌ كثيرٌ من المسلمين من كل القبائل، وخاصّةً تلك التي كانت تقطن حول المدينة المنوّرة. وقام عثمان فيهم خطيبًا وحثّهم على الجهاد، ووزّع عليهم السلاح، كما أمدّهم بألف بعير يحمل عليها ضعفاء الناس أي فقرائهم، فخرج المسلمون في جيشٍ عظيمٍ سنة 27 هـ يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فتكون القيادة له. ضمّ الجيش العديد من الأسماء البارزة كمعبد بن العبّاس بن عبد المطلب ومروان بن الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن الزبير والمسوّر بن مخزمة وعبد الرحمٰن بن زيد بن الخطّاب وعبد الله وعاصم وعبيد الله أبناء عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص وبسر بن أبي أرطأة وأبي ذؤيب الهذلي والمطّلب بن السّائب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والحسن والحسين ابني عليّ بن أبي طالب وغيرهم. فخرج ابن أبي السرح من مصر بجيش قوامه 20 ألف مقاتل من الفسطاط إلى إفريقية. وما أن بلغ الجيش برقة، انضم عقبة بن نافع ومن معه من المسلمين إلى الجيش، وأثناء تقدمهم وجدت إحدى سرايا الاستطلاع مراكب للروم راسية بالقرب من طرابلس، فاشتبكت معها، واستولت على ما فيها، وأسروا 100 رجل من الروم، بينما تحصّن أهل طرابلس خلف أسوار مدينتهم ولم يخرجوا للقاء ابن سعد، ولم يهاجمهم هو الآخر. ولا شكّ في أنّ المسلمين، وخاصّةً أولئك الذين خبروا الحرب على حدود إفريقية، كانوا يعلمون أنّ أهل طرابلس يكتفون منهم بتركهم في أمان، وعلى ذلك رأى ابن سعد ألّا ينهك قواه في إعادة فتح طرابلس. فتركها خلف ظهره، واتجه نحو أرض إفريقية الحقيقيّة مبتعدًا عن الشاطئ إلى أن وصل إلى منطقة قمونية (في موضع القيروان حاليا).

حينئذٍ، كانت إفريقية تحت ولاية البطريرك جرجير بن نيقيتاس بعد أن استقلّ بها عن الإمبراطوريّة البيزنطيّة واستأثر بحكم ما بين أطرابلس إلى طنجة، واتخذ من مدينة قرطاج عاصمةً لحكمه، ثمّ انسحب إلى سبيطلة كما أسلف. ولمّا بلغه خبر مسير جيش المسلمين، جمع 120 ألف مقاتل، وقبع ينتظر الموقعة الحاسمة. وكانت قمونية التي بلغها المسلمون غير بعيدة عن سبيطلة، فحطّ ابن سعد رحاله فيها ليستريح الجند من عناء الطريق وليأخذوا في الاستعداد للقاء الروم. وفي هذه الأثناء أخذ يرسل السرايا تستكشف البلاد في كل الجهات، وتأتي بالمؤن والعلف. وقبل أن يبدأ القتال بين القوّات الرئيسيّة، دارت مفاوضات بين الطرفين، وأرسل ابن أبي السرح رسلًا إلى جرجير يعرضون عليه -كما هي العادة- الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاختار الحرب وأن تحدد القوّة من ستكون له اليد العليا. ووقف الجيشان الإسلامي والرومي وجهًا لوجه في موضعٍ أمام سبيطلة على بعد يومٍ وليلةٍ واحدةٍ من المدينة، والتحم الجيشان واستبسلا في معركةٍ هائلة، فتعقّد موقفهما، ولم يتمكنا من الحسم، فالروم كانوا يرهبون المسلمين وينهزمون أمامهم، والمسلمون كانوا يخشون كثرة الروم وعظم معداتهم. فكانوا يقتتلون نهارًا من الصبح إلى صلاة الظهر، ثمّ يعودون إلى معسكراتهم فلا يستأنفون القتال إلّا في اليوم التالي. وقتئذٍ، أراد جرجير أن يحفّز جنوده على القتال، فأعلن عن جائزة لمن يقتل أمير المسلمين ابن أبي السرح بأن يزوّجه ابنته ويعطيه ما معها من جواري وأموال، ويعلي من قدره. ولمّا علم المسلمون بأمر الجائزة، أعلن ابن أبي السرح أن من يقتل جرجير وهبه ابنته ومن معها.

أشار ابن الزبير على ابن أبي السرح، أن يؤخّر بعض فرسان المسلمين عن القتال، ويقاتل بمن بقي، حتى ينهك الروم القتال، فيشرك هؤلاء الفرسان في القتال، ففعل. وجد ابن الزبير ثغرة في جيش الروم، فاخترق صفوفهم مع 30 فارسًا، حتى وصل إلى جرجير وقتله. فتشجّع المسلمون، وهُزم الروم هزيمة كبيرة، ثمّ حاصر ابن أبي سرح سبيطلة حتى فتحها، وغنم المسلمون يومئذٍ غنائم كثيرة. بعد ذلك، سار ابن أبي سرح فحاصر قرطاج حتى فتحها، ثم بثّ ابن أبي سرح السرايا إلى قفصة وحصن الأجم، فحاصرتهما حتى طلب أهلوهما الأمان فاستأمنوهما، فدبّ الرعب وتوافد أهل البلاد مسالمين، واصطلح المسلمون والرّوم على تأدية جزية للمسلمين قدرها 330,000 صرد، على أن يكف عنهم ويخرجوا من بلادهم فقبل ابن أبي السرح ذلك منهم، وأرسل ابن الزبير ببشارة الفتح إلى المدينة. وتهافت بطاركة إفريقية إلى ابن أبي السرح معلنين دخولهم ورعاياهم تحت ظل الخلافة، فأعطاهم المسلمون العهد المعتاد بأن لا يتعرّض لهم أحد في دينهم وأنفسهم ونسائهم وأولادهم وكنائسهم، وفي تلك الأثناء انسحب الروم إلى شبه جزيرة شريك (بين تونس وسوسة حاليًّا) واجتمعوا هناك في مدينةٍ تعرف بإقليبية ومنها انسحبوا بحرًا إلى جزيرة قوسرة.

توقف الفتوحات
عاد عقبة إلى مصر مع الجند سنة 28 هـ وظل بمصر مدة ثلاث عشرة سنة حتى 41 هـ، وتوقفت حركة الفتوحات إلا قليل من الحملات العسكرية. وعكف عقبة على العبادة والتفقه خلال تلك الحقبة. وفي تلك الفترة حدثت الكثير من الأحداث، ففي سنة 33 هـ نقض أهل إفريقية عهدهم مع المسلمين، فغزاها ابن أبي السرح مرة أخرى. وفي 34 هـ، سار معاوية بن حديج التجيبي والي مصر الجديد إلى إفريقية لقتال المنتقضين. وفي 18 ذي الحجَّة سنة 35 هـ قُتِلَ عثمان بن عفان ووقعت الفتنة بين المسلمين، ولم تذكر المصادر شيئًا عن أحوال عقبة في تلك الفترة، ويبدو أنه اعتزل الفتنة ولم يشارك فيها. وفي 39 هـ تولى عمرو بن العاص ولاية مصر مرة ثانية، وفي 41 هـ استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان بعد الصلح مع الحسن بن علي فيما يُعرف بعام الجماعة.

في سنة 41 هـ، أرسل عمرو بن العاص معاوية بن حديج لِغزو إفريقية مرَّة ثانية، بعد أن نقض أهل إفريقية العهد مُجددًا، فسار على رأس جيش عدته عشرة آلاف، فالتقى عقبة في برقة. كما أرسل ابن العاص عقبة بن نافع إلى غدامس سنة 42 هـ، فافتتحها، ومنها سار إلى ودَّان وبعض النواحي المجاورة لها، فافتتحها أيضًا. وولى معاوية بن حديج ولاية إفريقية، وكان أول والٍ لها. وبعث مُعاوية بن حُديج رويفع بن ثابت إلى جربة، فافتتحها.

ولاية عقبة على إفريقية
في سنة 47 هـ ولى معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج على مصر، فعاد ابن حديج إلى مصر وأناب عقبة بن نافع على ولاية حرب إفريقية، وفي سنة 49 هـ غزا عقبة بن نافع الروم في البحر بأهل مصر. وفي سنة 50 هـ/670م عزل معاوية بن سفيان معاوية بن حديج عن إفريقية، وأقره على ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع الفهري.

ابتدأ عقبة ولايته بغزو سرت، ومنها سار إلى ودّان بعد أن نقض أهلها عهدهم معه حين افتتحها في ولاية عمرو بن العاص الثانية، فافتتحها مجددًا. وبعدها سار إلى جرمة كبرى مدن فزّان، فدعاهم إلى الإسلام، فأجابوا. ثم مضى على قصور فزّان، فافتتحها قصرًا قصرًا، ومنها إلى قصور خاوار، فحاصر قصبة كوار، فلم يتمكن منها، فمضى وافتتح قصورها، ثم عاد من طريق آخر إلى خاوار، فداهم أهلها وافتتح القصبة. بعد ذلك، انصرف عائدًا إلى زويلة، ومنها سار إلى أرض قبيلة مزاتة في ودّان، فافتتح قصورها، ثم إلى صفر فافتتحها، ثم بعث خيلاً إلى غدامس، فأعاد افتتاحها غدامس. ولما عادت إليه السرايا سار إلى قفصة فافتتحها، وافتتح قصطيلية، كما وجّه عقبة بسر بن أبي أرطأة إلى إحدى القلاع بالقرب من مجانة، فافتتحها. وازدادت قوّات المسلمين آنذاك وقدرتهم على الحرب بفضل البربر الذي دخل العديد منهم في الإسلام، فأصبحوا، وهم أهل البلاد، يقدمون النصح والمشورة ويرشدون الجيوش ويقاتلون معهم. ولم يلقَ عقبة مقاومةً تذكر في حملته وغزواته.

قادة الفتح الإسلامي عقبة بن عامر الفهرى

التراجم والأعلام

شجرة عائلة عقبة بن نافع

عقبة بن نافع pdf

متى ولد عقبة بن نافع

أهم أعمال عقبة بن نافع

مقولة عقبة بن نافع الشهيرة

بحث عن عقبة بن نافع doc

من هي زوجة عقبة بن نافع

عقبة بن نافع يخاطب الوحوش



سنة النشر : 1965م / 1385هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 997 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة عقبة بن نافع الفهري

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل عقبة بن نافع الفهري
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
محمود شيت خطاب - Mahmoud Sheet Khattab

كتب محمود شيت خطاب محمود شيت خطاب (1919 – 23 شعبان 1419 هـ 1998 م) ولد في مدينة الموصل شمال العراق، ونشأ في أسرة إسلامية ملتزمة، وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو شقيق القاضي العراقي المعروف ضياء شيت خطاب. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ عدالة السماء قصص واقعية هادفة ❝ ❞ العسكرية الإسرائيلية ❝ ❞ العسكرية العربية الإسلامية عقيدة وتاريخا وقادة وتراثا ولغة وسلاحا ❝ ❞ قادة فتح المغرب العربي ❝ ❞ الرسول القائد ❝ ❞ قادة فتح بلاد فارس (إيران) ❝ ❞ قادة الفتح الإسلامي في بلاد ما وراء النهر ❝ ❞ الأيام الحاسمة قبل معركة المصير وبعدها ❝ ❞ قادة فتح الأندلس الجزء الأول ❝ الناشرين : ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الفكر للطباعة والنشر بسوريا ❝ ❞ دار الفكر المعاصر ❝ ❞ مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار مكتبة الحياة ❝ ❞ دار الطليعة للطباعة والنشر ❝ ❞ دار الاعتصام للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الأندلس الخضراء ❝ ❞ دار الفتح ❝ ❞ دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان ❝ ❞ مطبعة العاني ❝ ❞ الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة ❝ ❞ كتاب الأمة ❝ ❞ المجمع الفقهي الاسلامي ❝ ❞ منار للنشر والتوزيع - دمشق ❝ ❱. المزيد..

كتب محمود شيت خطاب
الناشر:
مطبعة العاني
كتب مطبعة العاني ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ غريب الحديث (ابن قتيبة) ❝ ❞ الفاروق القائد ❝ ❞ التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن ❝ ❞ عقبة بن نافع الفهري ❝ ❞ التمام في تفسير أشعار هذيل ❝ ❞ البرهان في وجوه البيان ❝ ❞ دراسات فى اللغة ❝ ❞ الفاروق القائد قادة الفتح الإسلامي ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ محمود شيت خطاب ❝ ❞ ابن قتيبة ❝ ❞ إبراهيم السامرائي ❝ ❞ ابن الزملكاني ❝ ❞ إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب أبو الحسين ❝ ❞ عثمان بن جني ❝ ❱.المزيد.. كتب مطبعة العاني